الخيارات الفلسطينية في مواجهة نتنياهو

السبت 20 أبريل, 2024

فايد ابو شمالة

إذا كانت كلّ الشواهد تدلُّ على أنَّ استمرار الحرب على غزّة هو الخيار الأوحد الذي يتمسّك به نتنياهو ومَن حوله في مجلس الحرب، فما هي الخيارات الفلسطينيّة في مواجهة ذلك، وكيف يمكن الخروج من هذا الوضع بنتائج حقيقية بعد كل ما قدّمه الشعب الفلسطيني – وخاصة في غزة – من تضحيات جسام ومعاناة، لا يمكن وصفها بالكلمات بعد ستّة أشهر ونصف تقريبًا من حرب الإبادة الصهيونيّة؟

 

أولًا: استمرار المقاومة

من البديهي أن يكون الفعل المقاوم هو السلاح الأقوى في مواجهة أيّ عدوان مهما بلغ عنفوانه ودرجة إجرامه؛ لأن الفعل المقاوم هو الذي يمنع استقرار المحتل، ويخلق لديه حالة من عدم اليقين، كما يدخله في مرحلة استنزاف لا يستطيع تحملها، بينما تستطيع المقاومة ذلك، وكذلك الشعب المؤمن بها وبدورها.

 

وكلما زادت التضحيات والأثمان التي يدفعها أي شعب، زاد تشبّثه بالحقوق، وعدم الاستعداد للتنازل بثمن بخس، بل ترتفع الأثمان على المعتدي كلما أوغل في عدوانه.

 

وبهذه الطريقة تصبح إستراتيجية استمرار الحرب هي أفشل إستراتيجية يتبعها المحتل؛ لأنها تدخله مختارًا في نفق بلا نهاية، وتستنزف قدراته وطاقاته وتضطره إلى التكيف مع أوضاع جديدة، لا يملك وحده القول الفصل فيها، بل يكون للمقاومة الفلسطينية والجبهات المساندة لها، الكلمةُ الأخيرة.

 

وحتى لو فكّر نتنياهو في تغيير إستراتيجية الحرب والذهاب بأي اتجاه آخر، سواء من باب المناورة أو للهروب إلى الأمام من الضغوط المتزايدة عليه داخليًا وخارجيًا، فإن هذا التغيير لا يمكن تطبيقه دون مراعاة الموقف الفلسطيني، وخصوصًا موقف المقاومة.

 

ومن العناصر الإيجابية التي تفيد في هذا الاتجاه، أنّ ما أظهرته المقاومة في غزة من قدرات خلال الأشهر الماضية، يدلّ على استعداد عالي المستوى على صعيد الكوادر البشرية المدربة والمستعدة لقطع الشوط إلى آخره، كما أن الإمكانات المطلوبة لمقاومة فاعلة ليست كبيرة ويمكن توفيرها محليًا، كما هو الحال في سلاح الياسين والتي بي جي، والعبوات المتفجّرة وسلاح القنص "الغول"، وهذه كلها صناعات محلية أثبتت فاعليتها، وفتكت بقدرات جيش الاحتلال باهظة الثمن، الأمر الذي يجعل تكاليف هذه المرحلة أكبر بكثير من سابقتها.

 

ثانيًا: اتساع مساحة المواجهة أفقيًا ورأسيًا

كان من اللافت ما قاله وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت، لدى زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، ولقائه بنظيره الأميركي، حيث ذكر أن الاحتلال يقاتل على سبع جبهات، وقد حاولت إحصاء هذه الجبهات السبعة في حينه، فلم أستطع القطع بها، فما نعرفه نحن أن هناك جبهة غزة، وجبهة الشمال مع حزب الله والمقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان، وهناك جبهة اليمن التي يمثلها الحوثي، وجبهة العراق، وإن كانت أقل حدة من ذي قبل، بل ربما تكون قد هدأت تمامًا. فأين هي الجبهات الأخرى؟

 

وقد تبيّن لاحقًا أن ما يقصده غالانت يتعلق بالجبهات المرشحة للانفجار، أو التي يستعد الاحتلال لمواجهة انفجارها باعتبارها أصبحت جاهزة للدخول في مرحلة جديدة من التفاعل والانسجام مع  حالة استمرار الحرب، وعلى رأس هذه الجبهات الضفة الغربية التي يبدو واضحًا حدوث تطورات متسارعة ومتصاعدة فيها، تتمثل في سلسلة من العمليات الفردية والاشتباكات الدائمة في جنين ونابلس، ومناطق متفرقة في الضفة؛ ردًا على تحركات عدوانية متصاعدة للمستوطنين الذين سلّحهم بن غفير، وحرّضهم على تصعيد نشاطهم الاستيطاني على حساب نحو ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة.

 

وهناك أيضًا الجبهة السورية التي لم تتوقف الهجمات الإسرائيلية عليها، واستهداف بعض المجموعات والمواقع فيها، حيث كان الهجوم على القنصلية الإيرانية آخرها، بما يشير إلى أنها تستعد بشكل أو بآخر للانضمام إلى شقيقتها اللبنانية، ولذلك مبررات كثيرة يمكن التفصيل فيها في موضع لاحق.

 

ومن الجبهات المرشحة، الجبهة الأردنية وهي أخطر الجبهات على الإطلاق من الناحية السياسية، وقد شاهدنا مؤخرًا أن هذه الساحة قد التهبت بشكل كبير، وباتت قاب قوسين أو أدنى من التحرك نحو الحدود، وهي خطوة قد تتطور بشكل أسرع مما يتخيله البعض؛ بسبب العلاقة الوطيدة والعضوية بين الضفتين: الشرقية والغربية لنهر الأردن، اللتين كانتا تاريخيًا وحدة واحدة، لولا وجود الاحتلال وفصله بينهما.

 

وأما الجبهة السابعة المقصودة أو التي نرجّح أن غالانت كان يقصدها، فهي إيران والتي

 

 

 

اشتعلت فعلًا وتطورت بشكل خطير خلال الأيام الأخيرة، رغم أن هذه الجبهة لا يرغب أحد في اشتعالها واستمرار ذلك، وخصوصًا الإدارة الأميركية؛ لأن ذلك سيكون بمثابة الضربة القاضية لإستراتيجية بايدن والدولة العميقة في الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، وستكون بمثابة النهاية لمرحلة من مراحل الهيمنة الأميركية على خيرات الشرق الأوسط، فإيران ستفتح الطرق لروسيا والصين، وهما العدوان اللدودان للولايات المتحدة.

 

وهذا الاحتمال كان يبدو مستبعدًا، لكنه لم يعد كذلك بعد الهجوم على القنصلية، والرد الإيراني المثير للقلق، وكل هذه التطورات كان يتوقعها غالانت، وحذر منها نتنياهو، وما زال الاحتلال يهدد بتوجيه ضربات جديدة لإيران؛ ردًا على هجمات المسيرات والصواريخ، بينما ستكون الردود الإيرانية أكثر قوة كمًّا ونوعًا، فغالبًا سيكون على الطرفين استخدام القوة الرادعة في أي مرحلة لاحقة.

 

أما إدارة بايدن، فإن أسوأ كوابيسها، وهي تقترب من الاستحقاق الانتخابي نهاية العام أن تتوسع دائرة الحرب الصهيونية مع المحيط العربي، وأن تشمل إيران؛ لأن مثل هذا الوضع سيعني خسارة محققة وحاسمة للديمقراطيين الذين تؤرّقهم حرب غزة وحدها، فكيف إذا ما توسعت وتنوعت وتعددت الجبهات، ووجدت الصين وروسيا لهما مواطئ أقدام جديدة في الشرق الأوسط، على حساب الولايات المتحدة وحلفائها الذين لم يعودوا قادرين على تحمل غضب شعوبهم؛ بسبب ما ارتكبه الاحتلال من فظائع ومجازر، وبسبب ما رأوه من دعم غربي وأميركي غير مبرر لحرب الإبادة على غزة.

 

ثالثًا: المبادرات السياسية

قد يبدو هذا الخيار نظريًا إلى حد كبير، ولذلك تم تأخيره عن سابقيه؛ لأن المشهد الحالي لا يوحي بأن هناك أي فرصة لنجاح مثل هذا الخيار، نظرًا للتكوين السياسي لحكومة الاحتلال التي لن تستطيع التعامل مع أي مقترح سياسي، أو حل سياسي، يحقق الحد الأدنى من التطلعات الفلسطينية، فهي حكومة ترفض "أوسلو" وتداعياتها كافة، وترفض إعطاء صلاحيات للسلطة الفلسطينية برئاسة عباس، والسماح لها بالتمدد نحو غزة – رغم ما حدث من إدخال مجموعة أمنية تابعة لرام الله بذريعة تأمين المساعدات- فالاحتلال يقبل أي مساعدة أمنية من جانب أي طرف، لكنه لا يقبل تقديم أي ثمن سياسي في المقابل، وقد بات معروفًا أن الخلاف الجوهري بين بايدن ونتنياهو، هو على المآل السياسي، وكيف ستكون الصورة في اليوم التالي لتوقّف العدوان.

 

وربما تكون هذه هي المساحة الضيقة التي يمكن العمل فيها ومحاولة استغلالها من قبل القوى السياسية الفلسطينية، كل حسب طريقة عمله، ولكن ضمن رؤية مشتركة وتفاهمات محددة حتى لا يتحول هذا الأمر إلى مساحة للمناكفات الداخلية الفلسطينية، وبالتالي ينعكس سلبًا على مسار المعركة والفعل السياسي المصاحب لها. ومن حيث المبدأ يفترض أن يكون الفعل السياسي خلال أي حرب أو معركة مساندًا للعمل العسكري، وليس متعارضًا معه أو محبطًا له.

 

 

وقد كانت هذه الإشكالية على الدوام مصدر الضعف الفلسطيني؛ لأن العمل المقاوم يخضع دومًا للتجريم من قبل الاحتلال والقوى الدولية، ويتم وصمه بالإرهاب، ويخضع الكل الفلسطيني للتهديد؛ بسبب الدفاع عن المقاومة أو مساندتها بأي حال من الأحوال، بل يتم مطالبة السلطة الفلسطينية بالتعاون أمنيًا، وإحباط أي عمل مقاوم، بينما ترعى الحكومة الصهيونية بشكل رسمي نشاطات المتطرفين من المستوطنين، ويتم تسليحهم وتحريضهم للاعتداء على الشعب الفلسطيني، وإجباره على الهجرة، مما يتيح لهم مصادرة مزيد من الأراضي، وتوسيع المستوطنات.

 

لقد آن الأوان أن يجتمع الكل الفلسطيني؛ لصياغة مشروع وطني فلسطيني، يتناسب مع "طوفان الأقصى"، ويتم من خلاله وضع بعض المقترحات السياسية على طاولة المجتمع الدولي، مما يمكّنه أن يفيد في المرحلة القادمة، بتحويل كل ما مرّ به الشعب الفلسطيني خلال العدوان، وبسبب حرب الإبادة الصهيونية، إلى إنجاز سياسي كبير، يضع الأسس لمستقبل فلسطيني مشرق وفجر جديد.