المغني السعودي محمد عبده: مصر "أم الدنيا" والسعودية "أبوها"
أثارت تصريحات للمغني السعودي، محمد عبده، حملت تعليقا عن قيمة السعودية ومصر حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، وسلط موقفه الضوء على المصطلحات المستخدمة على نطاق واسع في المنطقة العربية، التي تدور حول "الأفضل" و"الأعرق" و"الأكثر ثراء" و"الأكثر تقدما".
وتداول ناشطون مقطعا للمغني قال فيه: "نحن، السعودية اليوم لكل العرب، هي بيت العرب. إن كانت مصر أم الدنيا فالسعودية أبوها"، في إشارة إلى "أم الدنيا"، المصطلح الشهير الذي يستخدم لوصف مصر.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، قوبلت تصريحات المغني، الذي كان يتحدث أمام وسائل الإعلام بالسخرية من قبل البعض، وجاء في أحد التعليقات: "السعودية أبو الدنيا والأردن خالها والبحرين عمها".
وفي المقابل، دخل معلقون من السعودية ومصر في حالة سجال لفظي بين مؤيدين ورافضين لما قاله. وقال أحد المتابعين، الذي يبدو أنه أيد هذا الموقف إن تصريحاته "تصعيد مبرر".
وكتب آخر: "فيه ناس كثير صايرين يقولون أشياء زينة (جيدة) حتى محمد عبده لابد أن يتم تسجيلها ضمن المقولات الخالدة".
وأشار مغرد إلى تعليقات مثيرة للجدل يطلقها الفنان الشهير من حين لآخر، لكنه اعتبر أنه عبر هذه المرة "عن فخره كسعودي ببلده".
في المقابل، اعتبر آخرون أن موقفه يعبر عن "جهل"، وبدا أن المعلقين المصريين غضبوا بشدة من موقفه. وجاء في أحد التعليقات أن "مصر أم الدنيا بتاريخها وحضاراتها وشعبها العظيم رغم أنف كل حاقد أو ناقص".
استخدام "لفظ الأم"
وفي مقابلة مع موقع الحرة، اعتبر أستاذ علم الاجتماع، طه أبو الحسن، أنه جرى العرف على استخدام لقب الأم للإشارة إلى الأوطان، وتساءل: "عندما نقول أم القرى، فهل هذا يعني أن هناك أبو القرى؟"
ويشير إلى أن للمغني الحق في أن يفخر ببلده كما شاء، ولكن "دون خلط الأمور ببعضها والتحدث بطريقة سطحية"، أما مثل هذه التصريحات "فتثير الخلافات وتعمق النعرات".
ظاهرة قديمة
نسرين البحري، الأستاذ المساعد في قسم علم الاجتماع في جامعة مؤتة الأردنية، أوضحت في مقابلة مع موقع الحرة أن "التعصب ظاهرة اجتماعية شديدة الخطورة، خاصة عندما تأخذ أشكالا عدوانية عنيفة، وهو ظاهرة قديمة في التاريخ البشري، إلا أنها مستمرة في الوقت الحاضر، رغم التقدم والتكنولوجيا وحرية المعتقد والانفتاح الثقافي".
وتضيف أن الظاهرة، التي تحدث عنها علماء ومفكرون مثل ابن خلدون، "من أخطر الآفات ومن شأنها إعاقة التنمية والتطور وهي موجودة في العلاقات بين الأمم وفي الأديان والطوائف الدينية".
وتوضح أنه "شعور داخلي يجعل الإنسان متشددا ويرى نفسه دائما أنه الأفضل، وحتى في داخل الأسرة ستجد هذا الشخص الذي يشعر أنه أفضل من الأخرين".
وهذا الأمر "يعيق العلاقات والمحبة والمودة داخل الأسرة، لأن الشخص لا يستمع للآخرين ولا يفتح المجال للرأي الآخر ولا يدخل في حوار منطقي وعقلاني".
وجاء في دراسة لـ"مركز جيل" للدراسات الاجتماعية بالجزائر أن التعصب هو استخدام "المفاهيم التي تُعبر عن أحكام موجبة أو سالبة بصدد جماعات أو أشياء أو مفاهيم أخرى كما أنه يرتبط بالعنف والتطرف والعدائية".
وتضيف: "يقصد بمفهوم التعصب الحكم المسبق الذي يقوم على أساس القرارات والخبرات التي يتعرّض لها الفرد في حياته... لتكوين أحكام موجبة أو سالبة بصدد جماعات أو أشياء أو مفاهيم خارجية.... المتعصّب يميل لتقييم أعضاء جماعة ما بطريقة محدّدة فقط لمجرّد أنّهم ينتمون لهذه الجماعة وليس وفقا لسلوكياتهم وخصائصهم الشخصية".
وتضيف أنه "اتجاه نفسي جامد مشحون انفعاليا، ولا يقوم على سند منطقي، أو معرفة كاملة أو حقيقة علمية. ويتشكّل التعصّب عن طريق استعداد نفسي أولا، يترافق مع خبرات اجتماعية مُكتسبة من الجماعة التي ينتمي إليها الفرد".
وتوضح البحري، في لقائها مع موقع الحرة، أن هناك أنواعا عديدة من التعصب، أخطرها العرقي "لأنه يعيق عملية التطور ونمو علاقات إيجابية سليمة، ويحدث نوعا من الكراهية والبغضاء نتيجة التشدد للقبيلة أو المجتمع".
ويعتقد الشخص، وفق البحري، أنه نوع من الانتماء الوطني "لكن هذا الأمر غير صحيح".
وتقول إن التصعب "عدو مجهول" لأن "آثاره وخطورته كبيرة ومدمرة، وتخلق أزمات كبيرة بين الدول".
وفي الدول العربية "العلاقات غير مستقرة تماما، والغالبية يبنون علاقتهم بناء على التصريحات أو المداخلات التي يسمعونها من الآخرين".
ويقول أبو الحسن إنه "لا يمكن منازعة شخص في عاطفته، لكن التباهي على أساس الثروة أو الموقع ليس له أساس، لأن الشخص لم يختر هذا الموقع، في حين أن التباهي يجب أن يكون بالثقافة والعلم والأخلاق وليس النعرات".
وفي مقابلة مع موقع الحرة، اعتبر منصور الحاج، مدير "مشروع الإصلاح في العالم العربي والإسلامي"، التابع لمؤسسة (ميمري) أن مثل هذه الدعوات تأتي نتيجة لغياب المجال للأصوات العقلانية والمثقفة التي تتحدث بحرية عن القضايا التي تهم المواطن، وهو ما يؤدي إلى ظهور الأصوات التي تسعى فقط إلى تملق السلطة أو التركيز على القضايا التي ترسخ بعض المفاهيم السائدة، ومساعدة السلطة في إثارة المشاعر القومية، بدلا من طرح قضايا مهمة وتجعل الناس تفكر في مستقبل أفضل".
ويقول الحاج إن الأفضلية بين الناس يجب أن تكون لحرية الفكر وحرية التعبير والديمقراطية والشعور بالإنسانية والاهتمام برفاهية المواطنين، وهي قضايا تهم مواطني الخليج ومصر على حد سواء.
ويعتقد أبو الحسن أن مثل هذه التصريحات ربما تلقى تأييدا من قبل الأطراف التي تؤيد إثارة النعرات، لذلك "كان من الأفضل للسعودية ومصر والجميع لو صمت ولم يطلق هذا التصريح".
وتشير البحري، في تصريحاتها لموقع الحرة، إلى أنه يفترض أن "يكون الشخص على مسافة واحدة، ويكون موضوعيا في طرحه وفكره، حتى لا يخلق نوعا من الكراهية والعداء والبغضاء ويعيق التنمية والازدهار واقامة علاقات إيجابية".
وتشير إلى أن المنطقة العربية لديها العديد من الأشياء التي تجمعها، ويجب أن يكون طرح المواضيع بصورة موضوعية وعقلانية، من أجل ازدهار ورخاء الدول والعلاقات بين مواطنيها.
التعليقات